39 ك ـ ذكر الحنفية من الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة: الاشتغال بالفقه، لا بغيره من العلوم. كما ذكر الشافعية من الأعذار: السمن المفرط (58) (59)
حاصل الكلام
أقول لكم: انظروا فى الأعذار الفقهية المذكورة ثم تفكروا.
أين أعذار المطر والريح والبرد والحر والظلمة والخوف مع الأقسام الثلاثة، وحضور الطعام وقت الصلاة واشتياق النفس إليه، ورائحة بصل وثوم وكراث وفجل والدخان وغيرها، وغلبة النعاس والنوم وزفاف الزوجة ومجلس مذاكرة الفقه، والسمن المفرط؟
وأين عذر الوباء والبلاء الطاعوني الهلاك القتال لجميع العالم، والضار للناس بإذن الله، هذا الطاعون هو المانع الحابس حياة الدنيا فجعل الناس من المحبوسين كأنهم من المسجونين، فعذر وباء الطاعون أكبر وأعظم وأشد من الأعذار المذكورة ألف مرة.
فأين عقلنا السليم؟ نحن نفتى العامة أن الجماعة فى المسجد تسقط لأسباب خفيفة وأعذار مذكورة التي ازالتها ممكن، كما قال ابن عابدين: والظاهر أنه لا يكلف إيقاد نحوسراج وإن أمكنه ذلك.
وما لنا؟ لا نجيز العوام ترك الجماعة فى المسجد لسبب شديد بل أشد سببًا وأضر ضررًا.
فيا للعجب، فأين طار عقلنا يا مالك العقل السليم؟
قال الحكماء: إذا أراد الله نفاذ قضائه وقدره على قوم، اذهب عن ذوي العقول عقولهم، اللهم لا تجعلنا منهم.
أقول: إن وباء الطاعون وبلاء كرونا أعظم وأعذر عذر لسقوط الجماعة فى المسجد فى الحال الذي لا شك فيه ولا ينازع فيه أحد صاحب فقه وأصول وصاحب فهم حسن وصاحب العقل السليم।
وجاء فى كتاب الفقه الحنفى فى ثوبه الجديد أعذار التخلف عن الجماعة: يسقط وجوب حضور الجماعة بأحد الأعذار التالية:
- مطر وبرد شديدان، أو ظلمة شديدة وريح شديدة ليلا ونهارا. لما ورد أن ابن عمر أذن في الصلاة في ليلة ذات برد وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر، يقول: ألا صلوا في الرحال (60).
- الوحل الكثير. لما ورد أن ابن عباس خطب في يوم ذي ردغ، فأمر المؤذن لما بلغ (حي على الفلاح) قال: قل ’’الصلاة في الرحال‘‘: فنظر بعضهم إلى بعض فكأنهم أنكروا: فقال: كأنكم أنكرتم هذا، إن هذا فعله من هو خير مني ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم، إنها عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم. وفي رواية قال: كرهت أن أؤثمكم، فتجيئون تدوسون الطين إلى ركبكم (61).
- خوف ظالم على نفسه أو ماله، أو خوف ضياع ماله أو ذهاب قافلته لو اشتغل بصلاة الجماعة، فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر. قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض، لم يقبل منه الصلاة التي صلى (62).
- المريض الذي لا يستطيع المشي إلى المسجد كالمقعد ومقطوع الرجل، وتسقط أيضًا عن الذي يشرف على تمريض مريض يتضرر المريض بغيابه.
- إذا حضر طعام تتوق إليه نفسه، أو شغل أثناءها بمدافعة الأخبثين، أو شغل بالمداومة على مذاكرة فقه في جماعة.
قال عليه الصلاة والسلام: “إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ منه”. وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة، فلا يأتيها حتى يفرغ، وإنه ليسمع قراءة الإمام (63).
وقال عليه الصلاة والسلام: “لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان” (64).
قال أبو الدرداء: من فقه المرء إقباله على حاجته، حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ (65).
والجدير بالذكر أن المصلى إذا انقطع عن حضور الجماعة لعذر مانع، وكانت نيته حضورها لولا ذلك العذر، ينال بفضل الله ثوابها، لقوله عليه الصلاة والسلام: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” (66).
قال الإمام ابن الهمام: المطر الشديد والاختفاء من السلطان مسقط – الجمعة والجماعة – (67).
الفصل الثالث: حكم الرخصة الشرعية
ثم هذه الرخصة (الرخصة الشرعية) ثلاثة أنواع:
- نوع مباح كأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وشرب الخمر عند المجاعة أو الغصة أو العطش أو عند الإكراه التام بقتل أو قطع عضو. فهذه الأشياء تباح عند الاضطرار لقوله تعالى: “إلا ما أضطررتم إليه” (الأنعام: 119). والاستثناء من التحريم إباحة (بدائع).
- نوع لا تسقط حرمته بحال، ولكن يرخص فيه: كإتلاف مال المسلم، والقذف فى عرضه، وإجراء كلمة الكفر على لسانه مع اطمئنان القلب بالإيمان، إذا كان الإكراه تامًا.
- نوع لا يُباح ولا يرخص أصلا، لا بالإكراه التام ولا بخلافه: كقتل المسلم، أو قطع عضو منه بغير حق، والزنا، وضرب الوالدين.
الخاتمة
نتيجة البحث وبعض التوصيات
ثبت من كلام الفقهاء المذكور فى حكم الجماعة مع إمعان النظر فى الأعذار التى تسقط بها الجمعة والجماعة فى المسجد للفرائض، وبدقة النظر فى مسألة الأعذار التي تسقط بها أركان وشرائط وواجبات العبادات.
وفى حالة العذر والاضطرار لأجل طاعون كرونا، كان الاجتناب عن الاختلاط والتباعد عن الاجتماع والجماعة فى المسجد من باب لزوم البعد لأن فيه ضراراً وضرارًا وهما من حرام، خاصة فى الحالة الراهنة لأجل داء الطاعون العدوية الكرونائية القتالة الهلاكة الناشرة فى المعمورة كلها.
علينا أن لا نزدحم للجماعة فى المسجد بل نبتعد عن جميع الاجتماع فى هذه الحالة المظلمة، وهذا حكم الفقه الإسلامي فى ضوء الشريعة الإسلامية।
قال الحكماء: إذا أراد الله نفاذ قضائه وقدره على قوم، اذهب عن ذوي العقول عقولهم، اللهم لا تجعلنا منهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. إن كان الصواب فمن الرحمن، وإن كان الخطأ فمن نفسي ومن الشيطان، والله هو الموفق لما تحب وترضى، والسلام عليكم.
المراجع
- الفقه على المذاهب الأربعة: 1: 303, 318
- الفقه الحنفى: رد المحتار: 1: 371, وحاشية الطحطاوى على المراقى: ص: 388, والاختبار: 1
- الفقه المالكى: حاشية الدسوقى: 1: 319
- الفقه الشافعى: حاشية القليوبى: 1: 321, ومغنى المحتاج:1: 31, والمهذب: 1: 117
- الموسوعة الفقهية الكويتية: 15: 280
- الجامع فى الفقه الاسلامى: 1: 267
- الفقه الحنفى على المذهب الأربعة: 1: 302, 303
- مجمع الانهر: 1: 262, و رد المحتار: 1: 565, وبدائع الصنائع: 1: 260, الموسوعة الفقهية الكويتية: 27: 204
- الموسوعة الفقهية الكويتية: 27: 196
- الفقه على المذاهب الأربعة: 1: 296
- المبسوط: 2: 12
- فتح القدير: 2: 25
- الفتاوى السراجية: 1: 101
- شرح الوقاية: ص: 58, 59 والفتاوى الهندية: 1: 145, والبحر الرائق: 2: 325, وفتاوى اللكنوى: ص: 353, 354
- البحر الرائق: 2: 164
- تبيين الحقائق: 1: 140
- الفقه الحنفى: بدائع الصنائع: 1: 155, ورد المحتار: 1: 371, وفتح القدير: 1: 300, ومراقى القلاح مع حاشية الطحطاوى: ص: 156
- الفقه المالكى: مواهب الجليل: 2: 81, وحاشية الدسوقى: 1: 319, الموسوعة الفقهية الكويتية: 27: 166
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 229, 310, والمهذب: 1: 100 وحاشية القليوبى: 1: 221
- الفقه الحنفى: فتح القدير: 1: 300, و رد المحتار: 1: 371, وحاشية الطحطاوى على المراقى: ص: 152
- الفقه المالكی: مواهب الجليل: 1: 81, وحاشية الدسوقى: 1: 319, الموسوعة الفقهية الكويتية: 27: 166
- الفقه الحنفى: رد المحتار: 1: 371
- الفقه المالكى: حاشية الدسوقى: 1: 319, 396
- الفقه الشافعى: حاشية القليوبى: 1: 321
- الفقه الحنبلى: مغنى المحتاج: 2: 176
- الموسوعة الفقهية الكويتية: 15: 281
- الفقه على المذاهب الأربعة: 1: 317, 318
- الموسوعة الفقهية الكويتية: 27: 169, 170
- الموسوعة الفقهية الكويتية: 27: 171, 172
- الدر المختار مع حاشية ابن عابدين: 1: 581, وبدائع الصنائع: 1: 275
- المهذب مع المجموع: 5: 4
- بدائع الصنائع: 1: 288
- رد المحتار: 1: 473
- أخرجه مسلم: 1: 540, حاشية الدسوفى: 1: 315, 320, ومواهب الجليل: 3: 70, وشرح الزرقانى: 1: 283
- مغنى المحتاج: 1: 225, وشرح المحلى: 1: 217, 218
- كشاف القناع: 1: 425, والمغنى: 2: 169
- الموسوعة الفقهية الكويتية: 27: 146, 147
- الفقه على المذاهب الأربعة: 1: 267, 318, 319
- الفقه الحنفى: بدائع الصنائع: 1: 275, و رد المحتار: 1: 271
- الفقه الحنبلى: كشاف القناع: 1: 455
- الفقه المالكى: حاشية الدسوقى: 1: 320
- الفقه الشافعى: معنى المحتاح: 1: 225
- الفقه الحنبلى: شرح منتهى الإرادات: 1: 337
- الموسوعة الفقهية الكويتية: 27: 167
- الفقه على المذاهب الأربعة: 1: 318, 319
- الفقه الحنفى: بدائع الصنائع: 1: 315
- الفقه المالكى: حاشية الدسوفى: 1: 320
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 334
- الفقه الحنبلى: شرح منتهى الإرادات: 1: 337
- الموسوعة الفقهية الكويتية: 27: 167
- الفقه على المذاهب الأربعة: 1: 318, 319
- أخرجه البخارى مع الفتح: 2: 156, 157, ومسلم: 1: 484
- الفقه الحنفي: رد المحتار: 1: 373, 374
- الفقه المالكى: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى: 1: 389, 390
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 234, 235, و المهذب: 1: 101
- الفقه الحنبلى: واسنى المطالب: 1: 213, 214, والمغنى: 1: 632
- كشاف القناع: 1: 497
- أخرجه البخارى مع الفتح: 2: 204, ومسلم: 1: 314
- الفقه الحنفي: رد المحتار: 1: 373
- الفقه المالكى: حاشية الدسوقى: 1: 389
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 235
- الفقه الحنبلى: المغنى: 1: 631, وكشاف القناع: 1: 495
- أخرجه أبو داود: 1: 374, وابن ماجه 1: 260, والحاكم: 1: 245
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 235
- الفقه المالكى: شرح الزرقانى: 2: 67
- الفقه الحنبلى: المغنى: 1: 631, وكشاف القناع: 1: 496, والفروع: 2: 44, وشرح منتهى الإرادات: 1: 270
- الفقه المالكى: شرح الزرقانى: 2: 67
- الفقه الحنفي: رد المحتار: 1: 374
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 235
- الفقه الحنبلى: المغنى: 1: 632
- الفقه الحنفي: رد المحتار: 1: 374
- الفقه المالكى: شرح الزرقانى: 2: 66
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 236
- الفقه الحنبلى: شرح منتهى الإرادات: 1: 269
- أخرجه مسلم: 1: 392
- أخرجه البخارى مع الفتح: 2: 159, ومسلم:1: 392
- الفقه الحنفي: رد المحتار: 1: 374
- الفقه المالكى: القوانين الفقهية لابن جزي: 69
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 235
- الفقه الحنبلى: المغنى: 1: 629, 630
- أخرجه مسلم: 1: 393
- الفقه الحنفي: رد المحتار: 1: 374
- الفقه الحنبلى: المغنى: 1, 630
- أخرجه مسلم: 1: 395
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 236
- الفقه المالكى: حاشية الدسوقى: 1: 391
- الفقه الحنبلى: كشاف القناع: 1: 497
- الفقه الحنفي: رد المحتار: 1: 374
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 236
- الفقه الحنبلى: كشاف القناع: 1: 496
- أخرجه البخارى مع الفتح: 2: 200, ومسلم:1: 339
- الفقه الحنبلى: كشاف القناع: 1: 496, و المغنى: 1: 633
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 236
- الفقه المالكى: حاشية الدسوقى: 1: 391, و المواق بهامش الحطاب: 2: 184
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 236
- الفقه الحنبلى: كشاف القناع: 1: 497
- الفقه الحنفي: رد المحتار: 1: 374
- الفقه الشافعى: مغنى المحتاج: 1: 236
- الموسوعة الفقهية الكويتية:27: 186-191
- صحيح البخاري: 666, 668, 673
- رواه أبو داود وابن حبان
- صحيح مسلم
- ذكره البخاري تعليقاً
- الفقه الحنفى فى ثوبه الجديد: 1: 260-261
- فتاوى اللكنوى: ص: 359
- شرح مجلة الأحكام العدلية, فى شرح المادة 21
- أصول الأفتاء وآدابه: ص: 204
- تمت بالخير والله أعلم بالصواب
المؤلف
سماحة الشيخ المحدث الفقيه العلامة
المفتي فيض الله حفظه الله
المحدث المفتي بالجامعة القرآنية العربية لداكا
السكرتير العام للتحالف الاسلامي بنغلاديش
نائب السكرتير العام لحفاظة اسلام بنغلاديش
رئيس مجلس الشورى لمركز الفقه الاسلامي بنغلاديش، داكا